التعليم العالي والتنمية الاقتصادية في بعض التجارب الدولية (تجربة ماليزيا وكوريا الجنوبية نموذجاً)
د. أياد شمخي جبر
تقاس حضارة الأمم بمدى تقدم مستوى التعليم عامة والتعليم العالي خاصة، والذي ينعكس بالضرورة في زيادة درجة رفاهية الأمم والدول ككل. ومن ثم ينبغي تطوير التعليم وتحديثه باعتباره قضية أمن قومي تؤثر في مستقبل الأجيال الحاضرة والقادمة فهو المدخل الحقيقي لتحقيق التقدم وبناء المواطن الذي يتحمل تبعات هذا التقدم والتطور. وقد أكدت التجارب الدولية أنَّ بداية التقدم الحقيقية، بل والوحيدة هي التعليم. لذا فإن الدول المتقدمة تضع التعليم في أولويات برامجها وسياستها. ولقد أصبحت ماليزيا وكوريا الجنوبية من الدول المتقدمة التي اعتمدت على تنمية مواردها البشرية من خلال التعليم العالي في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.
تسلط هذه الورقة الضوء على تجربتي كل من ماليزيا وكوريا الجنوبية بوصفهما من التجارب الدولية الرائدة في مجال تطوير التعليم ودوره في تنمية رأس المال البشري كهدف وسيط لتحقيق التنمية الاقتصادية، للاستفادة منها، والاسترشاد بهما في تطوير التعليم والاستفادة منه في تحقيق متطلبات التنمية الاقتصادية في العراق.
التجربة الماليزية
إن تحقيق ماليزيا نمواً اقتصادياً مطرداً ليس إلا انعكاساً واضحاً لاستثمارها في البشر، فقد نجحت في تأسيس نظام تعليمي قوي ساعد على تلبية الحاجة لقوة العمل الماهرة. كما أسهم هذا النظام بفعالية في عملية التحول الاقتصادي من قطاع تقليدي زراعي إلى قطاع صناعي حديث. ويوظف التعليم في الوقت الراهن كأداة حاسمة لتحقيق مرحلة الاقتصاد المعرفي القائم على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وإن نجاح السياسات التعليمية في ماليزيا أدّى إلى أن يحقق الاقتصاد تراكماً كبيراً من رأس المال البشري والذي هو عمود التنمية وجوهرها. فقد أولت الحكومة عناية خاصة بالتعليم خاصة التعليم الأساسي والفني، واستخدمت اعتماداتٍ ماليةً كبيرةً في مجالات العلوم والتقنية، حتى المجالات الإنسانية تم دعمها أيضاً بواسطة القطاع الخاص وتم استقدام خبرات أجنبية في كافة مستويات التعليم العالي والتقني لتلبية احتياجات سوق العمل المحلية مما أسهم في رفع كفاءة قوة العمل التي أصبحت من المزايا التفضيلية للاقتصاد الماليزي.