التعليم والمجتمع

حين تتوفر الشهادة الدراسية ويغيب نضوج الشخصية

الدَّور الضئيل للذكاء العاطفي (EQ) في حياتنا

محمود سريع القلم /  أستاذ العلوم السياسية وكبير الخبراء في العلاقات الدولية في جامعة الشهيد بهشتي بطهران.
هل يكفي امتلاك شهادة جامعية لإدارة العواطف والتسلح بنزعة عقلانية في التكلّم والسلوك؟ بالطبع لا يكفي تعلّم العلوم وتكديس المعلومات في الذاكرة، بل ثمّة حاجة إلى نوع من النضوج في الشخصية والسلوك. إذا كنّا نوظّف الـ (IQ) في الجامعة، أين يفترض البحث عن الذكاء الاصطناعي (EQ)؟
لماذا ينال الأفراد في العالَم الثالث شهاداتٍ دراسية، ولكنَّ شخصياتهم بنحو عام لا تتغير كثيراً؟ لو أجرينا مقارنة بين مجتمعات شرق آسيا وغرب أوربا سيتضح أنَّ عامل التقدّم والتنمية لا يقتصر على مستويات العلم والمعرفة، بل قد يكون مرهوناً إلى حد كبير بـ«نضوج الشخصية». فلم یکن العلم والخصخصة الاقتصادية العامل الوحيد في بلوغ الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام إلى مستويات متقدّمة في الاقتصاد والسياسة، بل إنَّ «السيطرة على الغضب»، و«السيطرة على العواطف»، و«معرفة المشاعر والعواطف الشخصية» و«القدرة الاستدلالية على فهم الآخرين» و«إمكانية تقبّل الواقع»، و«القدرة النفسية على الاندماج» و«فهم الذات من منظور الآخرين» و«تقبّل تقييم الذات» أمورٌ لكلٍّ منها دورٌ حاسم وكبير في تقدّم هذه الدول.
هذه المواهب والإمكانيات تختلف كثيراً عن المواهب المطلوبة ليكون الفرد عالماً في الفيزياء والكيمياء والرياضيات والعلوم النووية والهندسية. إنَّ واحدة من مهارات الحياة المهمّة هي فهم ظروف الآخَر أو الطرف المقابل، سواء أكان هذا الآخر صديقاً، أو جاراً، أو صاحب متجر، أو ابناً، أو مؤسسة ودولة، أو حزباً مخالفاً، أو حكومة أجنبية. هذه الموهبة تختلف عن الذكاء الرياضي؛ ولهذا السبب قد نجد أحدهم يحمل شهادتَين في الدكتوراه من أبرز الجامعات العالمية، ولكنّه لا يدرك نتائج المفردات التي تُستعمَل في التعامل مع الآخرين. إنَّ المعرفة (Knowledge) ومعالجة البيانات (Information Processing) تحتاج إلى ذكاء معيّن، وإنَّ إدارة العواطف والمشاعر والغضب والهَم والخوف والفرح الكبير يتطلَّب ذكاءً مختلفاً. يقول البريطانيون: إذا كانت فئتان أو مجموعة فئات تختلف فيما بينها لماذا يحرقون السيارات في الشوارع ويهدّمون المباني ويستخدمون ألفاظاً نابية ويقتل بعضهم بعضاً؟ عليهم أن يفهموا ويدركوا بعضهم الآخر، وكلٌّ يفسح المجالَ للآخر والجميع يشكّلون دائرة كبيرة لمصالح جميع الأطراف. لماذا التخريب والتهديم؟ لماذا السب والشتم؟ لماذا العنف؟ لهذا السبب نجد في بريطانيا، وعلى خلاف فرنسا وروسيا، حضور الحركات الاجتماعية الفعّالة والنشاطات المدنية والسياسية، ورغم نشاطها لم تؤدِّ إلى انهيار النظام والفوضى، ولعلَّ السبب الرئيس في ذلك هو إدارتهم المنطقية للعواطف والمشاعر والغضب والخوف.

لقراءة المزيد اضغط هنا

وسوم

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق