التعليم والمجتمع

المقدّس والدين؛ العلاقة الإيجابية والسلبيّة

د. حيدر حب الله
المقدس والدين مفهومان مترابطان تاريخياً؛ فدائماً نجد الدين ممزوجاً ببعض المقدّسات، كما نجد المقدّس تضفى عليه مقولاتٌ دينية، ولعلّك لا تجد ديناً لا مقدّس فيه، وقد ظلّ هذا التصاحب بين الدين والمقدّس قوياً حاضراً، حتى كاد لا يتصوّر الدين بلا مقدّس، وسنحاول هنا أخذ موقع نطلّ منه على هذا الموضوع باختصار شديد.
1 ـ ما هو مفهوم المقدّس؟
إذا أردنا أن نعرّف مقولة (المقدّس) التي نعنيها هنا، نجدها تحمل أحد مدلولين، وربما حملت مداليل أخرى أيضاً، وهذان المدلولان هما:
الأول: العصيان على الفهم، فالأمر المقدّس أو القدسي هو الأمر الذي لا نفهمه ولا نعيه وعياً عقلانياً في بُنيته الداخلية، وإن كان أصل وجوده قد ثبت لدينا بدليل عقلي وطبق تصوّرات عقلانية، فمثلاً (الله) أمرٌ مقدّس، بمعنى أننا لا نفهمه ولا ندرك ذاته ولا كُنهه، نعم نحن استطعنا أن نتعقّل مبدأ وجوده عبر معطيات عقلانية، سيقت على نهج البراهين الفلسفية أو الكلامية أو.. هذا اللون من الأشياء تسمّى مقدّسات في الوعي الديني، ومن الطبيعي أنه ليس كل شيء لا نفهمه هو مقدّس، بل من أبرز ميزات المقدّس أو الأوصاف التي تلتصق كثيراً به هو وصف التعالي عن الفهم، وإلاّ فقد نعرف أنّ الشمس موجودة لكننا لا ندرك تكوينها وعناصرها و.. لكنّ هذا لا يصيّرها ـ لوحده ـ مقدّسةً؛ لأنّ معرفتنا هنا لا تجعل وعيها أمراً صعباً، أقرب إلى المستحيل.
الثاني: التعالي عن النقد، ومعنى ذلك أنّ المقدّس في الدائرة الدينية لا يمكن نقده أو إبطال معطياته، سواء استطعنا وعيها لكنها لم تقنعنا، أو أننا لم نعيها وندركها إدراكاً عقلانياً من الأول، فإذا قال النبي – ـ مثلاً ـ : عليكم إقامة الصلاة خمس مرات في اليوم، فهذا أمرٌ قد لا نعي مبرراته، ولا نفهم طبيعته، ولهذا لا مجال للحديث عن قناعتنا بصوابية هذا الوجوب والإلزام أو عدمها؛ لأن المفروض أن المعطيات التي برّرت هذا الوجوب لم تتضح لنا بعدُ، كي نحكم عليها بأنها صائبة أو غير صائبة، وعلى الخط عينه، أن يخبرنا النبي بأنه رأى العرش، ولا نعي نحن ما هو العرش وعياً عقلانياً، ففي هذه الحالات علينا التصديق والتسليم >وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً<، هذا ما يجعل النبي مقدّساً في الدين، أي أنّه يتعالى ـ في قوله وسلوكه ـ عن النقد؛ فلا يمكننا نقده حتى لو لم نقتنع قناعةً عقلانية بما يقول، بل قناعتنا تنبع من كونه مقدّساً، ولولا ذلك لما اقتنعنا.

لقراءة المزيد اضغط هنا

وسوم
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق